فِيما يخوضُ كثير من النّساء سِباقاً مَحْمُوما ضدّ الزّمن، ويتسابقْن على تجريب وصفاتِ تخسيس الوزن، وتعريض أنفسهنّ لحمية غذائية قاسية، ويلجأن إلى جرّاحي التجميل لشفْط الدهون، هناك في المقابل نساء، شابّات، لا تشكّل لهنّ بدانتهنّ أيّ عائق، ويعشْن بشكل عادٍ، ولا يلتفتن إلى ما يُقال عنهنّ خلفهنّ، ومُعْتدّات بأنفسهنّ، بل يُشاركن في مسابقة لملكة جمال البدينات.
من هؤلاء النساء، الشابّة المغربيّة نورة سامي، ذاتِ الواحد والعشرين ربيعا، والطالبة بمعهد الفنّ المسرحيّ والدراما بمدينة الدار البيضاء؛ نورة، لا تشكّل لها بدانتها مُشكلا، ولا ترى فيها عائقا يحول بينها وبين عيش حياة عادية وطبيعيّة كسائر النساء "غير البدينات"، وإن كان وزنها في حدود اثنين وثمانين كيلوغراما.
خلال السنة الماضية سافرت نورة إلى العاصمة اللبنانية بيروت، للمشاركة في مسابقة ملكة جمال بدينات العرب، التي نظمتها القناة الفضائية اللبنانية LBC، في أوّل تظاهرة من نوعها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد تنظيم مسابقة مماثلة في كلّ من بريطانيا وفرنسا والبرازيل، سعيا إلى تغيير النظرة النمطيّة لمجتمعات المنطقة تجاه المرأة البدينة.
"القضيّة ليست مسابقةً وعلاماتٍ ومنافسةً فقط، بل هي أبعد من ذلك، تتعلق بطموحات ومعوّقات، وإخفاقات ونظرة نمطية لجسدٍ ملّ التمييز؛ المسابقة هي دعوة لكلّ سيّدة لتتقبّل ذاتها كيفما كانت، والمجتمعُ آن له الأوان ليتغيّر بدل أن يطلب منها التغيير"، يقول منشّط المسابقة، التي آلَ لقبها إلى اللبنانية إليانا نعمة، ذاتِ جسد يزن 110 كيلوغراما.
من الأمور الأساسية التي وضعتها اللجنة المشرفة على المسابقة، إضافة إلى الوزن الزائد والثقافة والوجه الحسن، الثقة في النفس؛ تقول الشابّة المغربية نورة سامي، التي كانت أقلّ وزنا من جميع المشاركات، بجسد يزن 82 كيلوغراما، فيما وصل وزن أكثرهنّ بدانة إلى 143 كيلوغراما، (تقول) إنّ ما دفعها للمشاركة في المسابقة، هو رغبتها في أن تُبرْهن للناس على أنّ المرأة البدينة لا فرق بينها وبين المرأة النحيفة.
علاقةُ نورة بجسدها، يسودها الرّضا التامّ، على الرغم من نظرة المجتمع، والكلماتِ القاسية، أو "الكلمات الغليظة"، كما تسميها هي، التي تسمعها بين الفينة والأخرى، وكان لأسرتها، خصوصا والدتها وأخوها، الدورُ الأكبر في نشوء هذا الرّضا بينها وبين جسدها، وتمتّعها، بالتالي، بثقة عالية في النفس؛ تقول نورة "البدانة لا تشكّل لي أي حرج، ولا أي عائق، ما دام أنها لا تسبّب لي مرضا، وتلخّص كلامها بالدارجة قائلة: "ما ناقْصاني والو ما زايْداني والو، الحوايج اللي كادّيرهم وحدة رقيقة كانديرهم أنا، فَعْلاش غادي نتعقد ولا يبقا فيا الحال؟".
وعن تعامل الناس معها في الشارع تقول "لا يجب أن نكذب على أنفسنا، المجتمع لا بدّ أن يتحدث، وأنا أسمع كلمات "غليظة" بين فينة وأخرى، ولكن إيلا جينا ندّيو على المجتمع ما غادي نوصلو فين لأن المجتمع يتحدث سوا كنتي رقيق ولا غليظ، وأفْضل شيء يمكن أن نقوم به نحن النساء هو أن نتقبل أنفسنا كما نحن، ونفرض أنفسنا، عوض أن نضع مصائرنا رهينة بيد المجتمع، ونترك له تحديد المواصفات التي يجب أن تتوفّر فينا".
"الكلمات الغليظة" التي تسمعها نورة في الشارع، وفي الأماكن العامّة، لا تؤثّر في نفسيتها أبدا، وترى ألّا فرق بين أن يُقال للمرأة إنها بدينة أو أن يُقال لها إنها نحيفة؛ وتُوّجه نصيحة للنساء، أن يحببن ذواتهنّ كما هي، شرْط ألّا تؤدّي البدانة إلى الإصابة بالمرض، "وما دامت البدانة لا تشكّل خطرا على الصحّة الجسدية فعلى المرأة أن تثق في نفسها"، تقول نورة، التي تحلم أن تصير مُمَثلة، وكانت تتمنّى، لو فازت في مسابقة ملكة جمال بدينات العرب أن تصرف قيمة المسابقة على مساعدة الأشخاص البُدناء غير الواثقين في أنفسهم، وتجعلهم يحبّون ذواتهم كما هي.